آراء

في ذكرى تفجير جامع دار الرئاسة.. من اغتيالات ما قبل الأديان إلى خيانة الإخوان وتواطؤ الخارج

رياض الأكوع

|
03:09 2025/06/04
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

 

في مثل هذا اليوم، الثالث من يونيو 2011، اهتز ضمير اليمنيين على وقع أبشع خيانة سياسية في تاريخ الجمهورية: تفجير جامع دار الرئاسة أثناء صلاة الجمعة، في محاولة اغتيال مدبّرة استهدفت الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح وكبار قيادات الدولة.
جريمة لم ترتكبها يد فردٍ مضطرب، بل نفّذتها منظومة انقلابية مكوّنة من الداخل الإخواني، والدعم القطري، والرعاية الدولية الناعمة، ضمن مشروع إسقاط الدولة الجمهورية من داخلها، باسم الدين والثورة.

الاغتيال السياسي.. سلاح الخائفين عبر التاريخ

منذ فجر الحضارات، كانت الاغتيالات السياسية أداة الجبناء للانقضاض على السلطة حين تعجزهم المواجهة أو يسقط مشروعهم أمام صلابة الدولة.

في العهد الوثني، اغتيل يوليوس قيصر طعنًا في “مجلس الشيوخ”، ورفع قاتلوه شعار "إنقاذ الجمهورية"، تمامًا كما فعل من حاولوا اغتيال صالح تحت غطاء “إنقاذ الثورة”.

في التاريخ اليهودي، اغتيل الملك يوآش من داخل قصره، مثلما استهدف الغدر الإخواني رأس الدولة في بيت من بيوت الله.

وفي السياق الإسلامي، لا تُذكر الفتنة الكبرى إلا ومعها اغتيال عمر، وعثمان، وعلي، في مناخ تسمم ديني وشحن سياسي، أعاد الإخوان إنتاجه في نسخته اليمنية، ولكن هذه المرة عبر قنوات فضائية وأموال قطرية وفتاوى مسيّسة.


تفجير دار الرئاسة: لحظة الانكشاف القذر

تفجير الجامع لم يكن مجرد فعل إرهابي، بل نقطة تحوّل خطيرة تدشّن انقلابًا منظّمًا ضد الجمهورية والدولة، وليس فقط ضد الرئيس.

جاءت الجريمة في ذروة ما سُمّي بـ"الربيع العربي"، لكنها لم تكن انتفاضة شعب، بل أداة تثوير خارجي جرى إعدادها منذ “منتدى المستقبل” في قطر (2006) بدعم أمريكي-قطري، واستثمر فيها تنظيم الإخوان كقوة اختراق ناعمة.

نفّذ حزب الإصلاح الجريمة، بينما كان يتلقى دعمه الإعلامي من قناة الجزيرة، وأدواته المحلية من قنوات مثل يمن شباب وبلقيس، ثم انضمت إليهم لاحقًا قناة المهرية التي أصبحت الذراع الأبرز لإعادة إنتاج خطاب "الضحية" وتبييض دور الإخوان بعد أن تلوث بالدم اليمني.


من المسجد إلى المبعوثين.. الغدر لا يأتي منفردًا

بعد تفجير دار الرئاسة، لم تُفتح تحقيقات شفافة، ولم تتم محاسبة من خطط ومول ونفّذ، بل جرى تدوير الجريمة في دواليب المبادرات السياسية، بإشراف مبعوثين أمميين مثل جمال بن عمر الذي هندس اتفاقات ظاهرها تسليم سلمي، وباطنها إعادة تموضع الإخوان وتفريغ الدولة من مضمونها.

جمال بن عمر كان أول من بارك صفقة "المبادرة الخليجية المعدّلة"، مفرغًا القرار الأممي 2014 من جوهره، ليمنح خصوم الدولة فرصة للبقاء، رغم ضلوعهم في الجريمة.

لاحقًا، تابع المبعوثون الأمميون — من ولد الشيخ إلى غريفيث، ثم هانس غروندبرغ — سياسة تبييض الميليشيات، عبر مساواة الضحية بالجلاد، وتسويق "الحوار" مع من فجروا المساجد وخانوا الوطن.


المشروع القطري الإخواني: من التثوير إلى التمزيق

ما جرى في اليمن لا يمكن فصله عن الطموح القطري لبناء محور نفوذ جديد يرتكز على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. فالدوحة رعت شبكة كاملة من الناشطين، ومنظمات المجتمع المدني، والمنصات الإعلامية التي مهّدت للانقلاب تحت راية “الثورة”.

حزب الإصلاح، باعتباره الأداة المحلية، لم يكن حزبًا وطنيًا، بل ذراعًا أيديولوجيًا عابرًا للحدود، ينفذ توجيهات التنظيم الدولي ولا يحترم السياق اليمني.

وعبر قنوات مثل الجزيرة والمهرية، جرى اغتيال صالح إعلاميًا قبل محاولة اغتياله جسديًا، ثم شيطنة كل من نجا من تلك الجريمة، في حملة ممنهجة للتدمير السياسي والأخلاقي.


ما بعد التفجير: الدولة تنهار والحوثي ينهض

تفجير دار الرئاسة مثّل لحظة انكسار للدولة، وفتح الباب أمام الحوثيين للزحف نحو صنعاء، بعد أن ضعفت القيادة، وتحوّل الشارع إلى فوضى، والنخب إلى مرتزقة في بلاط السفراء والمبعوثين.

لم يكن الحوثي ليحقق تقدمه لولا الفراغ الذي خلقه الإخوان، والتواطؤ الذي وفره الإعلام القطري.

وأكملت الأمم المتحدة — تحت غطاء "التسويات السياسية" — مهمة شرعنة الانقلاب الحوثي، كما شرعنت من قبلُ وجود الإصلاح في مفاصل الدولة رغم جريمة تفجير الجامع.


خلاصة وطنية: لا شراكة مع من غدر

الجريمة التي ارتُكبت في الثالث من يونيو 2011 ليست ذكرى سياسية فقط، بل علامة فارقة في تاريخ الخيانة اليمنية. لقد أثبتت أن:

الإخوان لا يؤمنون بالجمهورية، بل بالخلافة المؤجلة.

قطر لا تريد دولة في اليمن، بل مسرحًا لصراع دائم يخدم مصالحها.

الإعلام الذي ترفع شعاره الجزيرة والمهرية ليس إلا غرفة عمليات حرب نفسية، تستهدف العقل والوعي اليمني.


في هذه الذكرى، يجب أن نُجدّد العهد بأن دم الزعيم صالح ليس ثأرًا شخصيًا، بل مسؤولية وطنية. وأن من فجّر في المسجد، وخان في السياسة، وسمّم الإعلام، لا يُؤتمن على حاضر اليمن ولا مستقبله

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية