كشف البنك الدولي في أحدث تقاريره الاقتصادية التي أطلقها في الـ 15 من سبتمبر الجاري، أن تأثيرات تغير المناخ (ارتفاع منسوب البحار، والظواهر الجوية الشديدة، وتفاقم أزمات المياه) ستسبب خسائر زراعية تؤدي إلى تقليص دخل الأسر في اليمن بما يصل إلى 9 مليارات دولار، وبنحو ملياري دولار في سوريا.
وأوضح في تقرير حمل عنوان "تبني التغيير وتشكيله- التنمية البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مرحلة التطور" أن للتغيرات البيئية آثار سلبية عميقة على اقتصاد المنطقة وسلامتها وأمنها الغذائي، إذ أن شح المياه بسبب تغير المناخ قد يؤدي إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي بنسبة تتراوح بين 6% و14% في بلدان المنطقة بحلول عام 2050، في عالم ترتفع فيه درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين.
وقدّر التقرير الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية في الآونة الأخيرة بما يعادل ملياري دولار في بنغازي بليبيا، و50 مليار دولار في الإسكندرية بمصر.
وتؤثر موجات الحرارة الشديدة والجفاف حاليًا على نحو ثلث المناطق البرية، ما يؤدي إلى تقصير مواسم الزراعة، وانخفاض غلات المحاصيل، وتغييرات في إنتاج الثروة الحيوانية.
ويواجه اليمن تفاعلًا فريدًا وصعبًا بين التنمية والصراع وتغير المناخ، حيث أدى استمرار النزاع إلى أزمة إنسانية تؤثر على نحو 80% من الأسر، وتحد من قدرتها على الحصول على الخدمات الأساسية، وتفاقم مواطن ضعفها.
ويضيف تغير المناخ المزيد من التحديات المعقدة، ما يفاقم القضايا القائمة مثل ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي، حيث تتطلب معالجة هذه التحديات المتشابكة اتباع نهج شامل ومنسق يدمج احتياجات التنمية مع العمل المناخي.
وأكد تقرير البنك الدولي أن هذه التغيرات تشكل تهديدات كبيرة لتنمية رأس المال البشري، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فمن المتوقع أن تشهد معدلات الوفيات المرتبطة بتغير المناخ ارتفاعًا كبيرًا بما في ذلك الوفيات الناتجة عن الأحوال الجوية القاسية، والإجهاد الحراري، ومشكلات التنفس، والأمراض المزمنة.
كما يؤثر تغير المناخ بشكل خطير على صحة الأمهات والأجنة، حيث تؤدي الكوارث الطبيعية إلى تفاقم مضاعفات الحمل. وستؤدي الخسائر الزراعية إلى تفاقم الجوع وتقليص تنوع الأغذية في منطقة يعاني فيها 20% من السكان بالفعل من نقص التغذية.
ومع ارتفاع درجات الحرارة، ستزداد أزمة تدهور جودة المياه وانتشار الأمراض التي تنقلها الحشرات، مثل الملاريا والليشمانيا.
كما تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على نواتج التعليم، إذ تعوق التعلم وتزيد من الحاجة إلى إغلاق المدارس بشكل متكرر.
وفي ظل تغير المناخ الحالي، تزداد الكوارث قسوةً وتقلّبًا. ولا يزال اليمن، الذي يعاني أصلًا من وضع اجتماعي واقتصادي وسياسي هش، يواجه تعرّضًا متزايدًا للظواهر المناخية المتطرفة والكوارث المرتبطة بها.
وتعد السيول (الفيضانات) أكثرها شيوعًا، وتحدث عادةً خلال موسم الخريف المطري (من يوليو إلى سبتمبر). وتعد فترة أغسطس- سبتمبر- أكتوبر حرجة للغاية في التقويم الزراعي اليمني، لا سيما في المناطق الزراعية البيئية الرئيسية.
وغالبًا ما ترتبط الأمطار الغزيرة خلال هذا الموسم بالفيضانات المفاجئة، ما يلحق أضرارًا وخسائر فادحة بالمجتمعات المحلية وممتلكاتها، لا سيما في القطاع الزراعي.
كما تميل هذه الفيضانات إلى تعطيل الوصول إلى الأسواق والنقل وسلاسل توريد المدخلات الزراعية، ما يفاقم انعدام الأمن الغذائي ويعيق جهود الإنعاش.
وبين يناير 2022 ويونيو 2024، واجه ما لا يقل عن 12.3 مليون طالب في المنطقة حالات إغلاق للمدارس بسبب تغير المناخ.
ووفقًا للتقرير تؤدي هذه التحولات البيئية إلى تفاقم مشكلات النزوح، سواء داخل بلدان المنطقة أو عبر البحر الأبيض المتوسط. ومن بين 38 مليون حالة نزوح داخلي تم تسجيلها في عام 2021، أدت الكوارث إلى 23.7 مليون حالة نزوح داخلي، وكانت الفيضانات السبب الأكثر شيوعًا للنزوح في المنطقة.
وبين منتصف وأواخر أغسطس 2025، شهدت أجزاء كبيرة من اليمن هطول أمطار غزيرة، ما أدى إلى فيضانات واسعة النطاق وانهيارات أرضية وأضرار ناجمة عن الرياح في محافظات متعددة.
وتأثر 47050 أسرة (حوالي 329350 فردًا)، بما في ذلك 27332 أسرة نازحة داخليًا (191324 فردًا).
وتم الإبلاغ عن آثار إنسانية كبيرة في الحديدة وحجة ولحج وتعز وأبين وعدن وحضرموت وذمار وإب والضالع وعمران والجوف وشبوة وريمة وصعدة ومدينة صنعاء ومحافظة صنعاء.
وتسببت الفيضانات في أضرار جسيمة للمنازل والبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك الجسور والطرق والمستشفيات وملاجئ النازحين داخليًا والأراضي الزراعية والخدمات العامة.
وقد تأثرت المجتمعات النازحة داخليًا بشكل خاص بسبب نقاط الضعف القائمة مسبقًا والوصول المحدود إلى المأوى والصرف الصحي.