آراء

‏حتى لا يُهدم المعبد

علوي الباشا بن زبع

|
قبل 5 ساعة و 15 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

في التاريخ عبرة، وفي نصائح العقلاء حكمة، ومن لا يتوقف عندهما اليوم سيتذكرهما غدًا بعد فوات الأوان.

الدولة في اليمن – كما في سائر بلدان العالم – ليست نظامًا عابرًا، بل هي البيت الكبير الذي يضم الجميع، وهي، مجازًا، المعبد الذي يصلّي فيه الناس على اختلاف عقائدهم وأفكارهم وتبايناتهم. وحين يُقدِم طرف ما على هدم هذا البيت دون حساب دقيق للمآلات، فإن الكلفة لا تقع على السلطة وحدها، بل تطال عشرات الملايين من المواطنين، وتمتد آثارها إلى الاستقرار الداخلي والإقليمي.

في التاريخ اليمني الحديث مرت الدولة بثلاث محطات مفصلية وخطيرة:

الأولى عام 2011، حين ذهب اللقاء المشترك الى خيار إسقاط النظام عبر الاحتجاج، فاهتزّت الدولة وتصدّعت مؤسساتها، ثم وجد القائمون على حكومة الإنقاذ أنفسهم أمام استحقاقات وتحديات هائلة، انتهت بتعثر الحكومة عن مواجهتها، فانهارت حكومة الانقاذ.

والثانية عامي 2014–2015، حين أسقطت المليشيا الحوثية القادمة من صعدة إلى صنعاء الدولة بالقوة عبر الاجتياح والانقلاب، فهُدم المعبد على من فيه، ودخل اليمن في حرب وفوضى مستمرة منذ عشر سنوات. ولم تستطع الجماعة في صنعاء وغيرها ملء فراغ الدولة، ولم يتقبل العالم فعلتها، ولم تعترف بها دولة واحدة اعترافًا رسميًا، بما في ذلك حلفاؤها.

واليوم نقف أمام محطة ثالثة، تتكرر فيها لغة فرض الوقائع بالقوة، وهذه المرة من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، تحت شعارات إسقاط الوحدة أو استعادة الدولة الجنوبية المندمجة عام 1990، دون توقف مقنع أمام فرص القبول الإقليمي والدولي، أو أمام حجم الاستحقاقات والالتزامات السياسية والاقتصادية والخدمية، التي لا تقوى عليها إلا دولة مستقرة ومعترف بها ومدعومة إقليميًا ودوليًا.

الخلاصة: أن القضايا العادلة لا تُنكر، والحقوق المشروعة لا تُلغى، لكن الفرق كبير بين تصحيح المسار داخل الدولة، أو حتى تغيير شكل الدولة بإرادة متوافق عليها وتحظى بالحد الكافي من فرص القبول الإقليمي والدولي، وبين هدم الدولة بحجة تصحيح المسار. فالتجارب القريبة تؤكد أن الفراغ لا يُنتج دولة بديلة، بل أزمات مركبة، وفوضى مفتوحة، وتدهورًا للأوضاع أكثر مما هي عليه.

ما زالت الفرصة قائمة لتغليب العقل على العاطفة، وربما الذهاب إلى اتفاق الرياض (2) لحماية مركز الدولة اليمنية، ودعم القضية الجنوبية ضمن إطار وطني متوافق عليه، بدلًا من الذهاب إلى المجهول الذي سيدفع الجميع ثمنه. فالمراهنة على حسابات أو تفاهمات عابرة وهمٌ، والمخاطرة هنا تطال كل شيء.

أرجوكم انتبهوا…
سقوط الدولة – لا قدّر الله – لا يعني تغييرًا سياسيًا فحسب، بل انهيار العملة، وفقدان الوثائق لقيمتها، وتدهور أكبر للأمن والخدمات في كل أرجاء الوطن، دون استثناء.

فكّروا جيّدًا…
حتى لا يتكرّر هدم المعبد على من فيه.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية